وسط السطور المضيئة في سجل التاريخ العربي والإسلامي، تتلألأ كربلاء كجوهرة شامخة، لا بفعل جغرافيتها فحسب، بل بدورها التاريخي الخالد في مقاومة الاستعمار وصناعة النضال.
هي ليست مدينة عادية، بل "عرين الأسود" كما وصفها المؤرخون، إذ خرجت منها شرارة الثورة وارتفع منها نداء التحرر في أهم مفصل تاريخي عرفه العراق الحديث، ممثلاً بثورة العشرين.
لم تكن كربلاء يوماً شاهدة صامتة على الأحداث، بل كانت وقودها وساعدها، ففي مواجهة الاستعمار البريطاني، كانت القلوب تهدر من هنا، فمن شوارعها القديمة وبيوتها المتواضعة، وإيماناً من أبنائها بعدالة قضية الشعب العراقي، وسعياً لحياة كريمة، تحفظ العروبة وتصون الكرامة.
ولم يكن غريباً أن يكون أبناؤها في طليعة من واجهوا الطغيان، فهم عربٌ أقحاح، سكنهم الكبرياء الأصيل وروح الفداء، واستمدوا من أرض الحسين "عليه السلام"، دروس التضحية والكرامة.
كانت كربلاء قبل الإسلام، قريةً زراعية بسيطة، تقع على ضفاف نهر الفرات القديم المسمى "بالاكوباس"، يسكنها الفلاحون وأتباع النصرانية من العرب، لكنها حملت بذور التحوّل.
وبعد الفتح الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص، صارت محطة للجيوش الإسلامية قبل أن تتحول إلى صمت طويل، حتى كتب لها القدر صفحة الخلود عام 61 هـ، حين وطأتها أقدام سيد الشهداء الإمام الحسين "عليه السلام".
عند مخيم كربلاء، جرت أعظم ملاحم البطولة والفداء، واستشهد سبط رسول الله "صلوات الله عليهما" ومن معه، فارتوت أرض كربلاء بدماء الأطهار، لتصبح من تلك اللحظة أرضاً مباركة، يقترن اسمها بالحق، والشهادة، والصمود.
ورغم الاضطهاد الأموي، وتدمير قبر الإمام الحسين "عليه السلام" في زمن المتوكل، عادت المدينة لتنهض مجدداً، خصوصاً في زمن الدولة العباسية، ثم في عهد البويهيين حيث ازدهرت تجارتها وزراعتها وعلومها، واستوطنتها شخصيات علوية بارزة مثل السيد إبراهيم المجاب سنة 247هـ.
ومنذ القرن الرابع الهجري، بدأت كربلاء تأخذ شكلها الروحي والسكاني الراسخ، فكانت ولا تزال موطناً للتاريخ والقداسة والعلم.
المصدر: سلمان هادي طعمة، عشائر كربلاء وأسرها، دار المحجة البيضاء، 1998، ص6-7.